هذه واحدة من قصصي القصيرة الموجهة للأطفال ، نشرتها جريدة الأنباء الكويتية منذ بضعة أشهر
أين ذهب شارب جدي
اسمي ريم و عمري ثلاث سنوات، أعيش مع أمي و أبي و جدي، في منزل من خمسة غرف، ثلاثة غرف للنوم، و غرفة للطعام، و غرفة للجلوس، و قد تعودت كل صباح أن أوقظ أهل البيت، و أولهم جدي، أتسلل إلى غرفته بخفة، و أراقبه وهو يشخر أحيانا، فأرى شاربه يعلو و يهبط مع كل شخرة عنيفة. لجدي شارب كبير معقوف، رمادي اللون، أراه يلمسه عندما يتكلم، و أراه يشذبه أحيانا، و قد تعودت أن أدخل غرفته على أطراف أصابعي، و أندس قربه تحت الغطاء، ثم أضع رأسي قرب رأسه على الوسادة، و أنتظر قليلا فيستيقظ و يفرح بي.
لكنني ذات يوم من أيام الربيع الجميلة ذهلت عندما دخلت إلى غرفته، لقد بدا وجهه غريباعجيبا...لماذا؟ لقد اختفى شاربه ! أعدت النظر إليه، إنه جدي نفسه ! لكنه جد بدون شارب ! يا إلهي!
حاولت أن أتذكر آخر مرة رأيته فيها...أجل ! أجل ! البارحة مساء قبلته على خده قبلة النوم، و كان شاربه هناك، يتمدد مسترخيا فوق شفتيه،يا إلهي! سيحزن جدي كثيرا إن استيقظ و لم يجد شاربه!
-أين ذهبت أيها الشارب الرمادي..؟.
فكرت قليلا ثم خطر لي أنه ربما خرج من نافذة الغرفة إلى الحديقة في جولة قصيرة،ولكن لماذا يذهب الآن وهو يعرف أن جدي يستيقظ مبكرا؟ وقفت فوق الكرسي، و تطلعت من النافذة، و أجلت نظري في أرجاء الحديقة الصغيرة،كل شيء عادي.
لا يبدو أنه في الخارج،و لو كان هناك لما وجدته فالشجرة عالية جدا،شعرت بحيرة كبيرة،ولم أعد أعرف كيف أتصرف.
-لا ! لن أوقظ جدي ! لابد أن أبحث له عن شاربه أولا ! بدأت البحث بهدوء داخل الغرفة، فوق الطاولة، بين الكتب، في علبة النظارات، تحت السرير، لكنني لم أجد شيئا.
-ماذا لو كان شارب جدي يستحم في الحمام؟ خرجت بهدوء من غرفة جدي، و اتجهت إلى الحمام لكنني للأسف لم أجد الشارب في المغطس، كنت أعتقد أنه يأخذ حماما ساخنا.
-"ماذا لو كان جائعا وذهب إلى المطبخ ليأكل؟" لقد رأيت طرفاه مرة يغطسان في كأس الحليب،ركضت إلى المطبخ،بحثت عنه في كل ركن ولم أجده،لا فوق الطاولة،ولا في الثلاجة ولا في الفرن.
-"يا إلهي ! أين اختفيت أيها الشارب؟ أرجوك إظهر .. لا أحب أن أرى جدي حزينا !"
فجأة دخلت أمي إلى المطبخ:"-صباح الخير ياريم ! هل أيقظتِ جدكِ ؟ "
-"صباح الخير يا ماما ! لا لم أفعل !"
أجابتني:-"إذن هيا يا صغيرتي أيقظيه لنفطر معا !"
ارتبكت ولم أدر ماذا أفعل، ثم توجهت نحو غرفة جدي، كان شخيره أقل عنفا من الأيام السابقة،بقيت واقفة أمام الباب أفكر...
-"ماذا لو دخل أحد اللصوص ليلا وسرق شارب جدي؟ نعم هذا مؤكد ! يا للهول كم سيحزن جدي الغالي!
فجأة سمعت صوت أبي: -"ريم ماذا تفعلين؟ أيقظي جدك !"
دخلت الغرفة بسرعة، وأغلقت الباب ورائي بلطف، تأملت جدي مرة أخرى.
-"جدي ! بدون شارب" لن أوقظه، لا أحتمل رؤيته حزينا على شاربه" بقيت واقفة وراء الباب للحظات، ثم قررت أن أخبر أمي بما حصل لجدي، فخرجت بهدوء واتجهت إلى المطبخ،أمي كانت هناك بقامتها الطويلة تحضر طعام الإفطار، سألتني: -"هل أيقظت جدك يا ريم ؟" صمتت برهة ثم قلت لها:"أمي سأخبرك بسر"
وضعت أمي إبريق الشاي فوق الطاولة وانحنت لتسمع ما سأقوله.
-"أمي لقد اختفى شارب جدي! ربما سرقه أحد اللصوص ليلا!" ضحكت أمي وارتفعت قهقهاتها عاليا،تجمعت الدموع في عيني، و لم أفهم ما الذي جعلها تضحك، قلت لها:"ماما ! الأمر جدي و خطير" سمعت عندها صوتا يقول:"صباح الخير! ما الذي يضحكك يا أم ريم؟"
كان هذا صوت جدي. استدرت فوجدته يقف إلى جانب أبي في باب المطبخ، بدا جدي وسيما بدون شاربه الكثيف، كما أنه بدا لي أكثر شبابا.
قالت أمي:"لقد ظنت ريم أن اللصوص قد سرقوا شارب جدها في الليل ! " و ضحكوا جميعا.
اقترب مني جدي، و انحنى و حملني بين ذراعيه، ثم ضمني إلى صدره، فسألته:"ألست حزينا على شاربك يا جدي؟"
ضحك مرة أخرى، ولكن أبي أجابني:"لقد حلق جدك شاربه البارحة ليلا قبل أن ينام،لأنه أصبح كثيفا جدا" نظرت إلى جدي الجديد، و رأيته جميلا بدون شارب،فضحكت معهم من كل قلبي.